محمد مراد عبدالحفيظ وسام الابداع
ما رايك فى المنتدى : السراطنية عدد المساهمات : 367 نقاط : 1640 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 17/10/2010 العمر : 26
| موضوع: الشباب بين الأهواء ومتطلبات الحياة 2011-06-07, 05:04 | |
| الشباب بين الأهواء ومتطلبات الحياة
الجري وراء الأهواء والشهوات يؤدي إلى الضياع والفشل والإحباط، والحيرة بين نوازع الفضيلة ومغريات النفس. ـ التربية الأخلاقية في الإسلام تقوم على أساس من قوة العقيدة والالتزام والعرض والمناقشة والإقناع، وتتوجه إلى عقول الشباب قبل عواطفهم، وتخلق توازناً بين الغرائز والحاجات، وتوجد انسجاماً للفرد مع ذاته. ـ تشتيت الشباب بين المعايير والقيم الدينية وتقليد المدنية الغربية يخلق صراعاً واضطراباً نفسياً في حياتهم. ـ السعادة حلم البشرية ينشدها الإنسان بشتى الطرق وفي كل مكان، لكنه يعود بعد عناء طويل خالي الوفاض إلاّ من مشاعر القلق والتذمّر والفشل والضياع. ـ الإيمان ينبوع الحب الدائم يمدّ الشباب بالأمان والأمل والطاقة على المثابرة والنجاح وتحقيق الغايات الكبرى في الحياة.
مشكلات الشباب وقضايا المجتمع: ـ تشكل قضايا الشباب الجزء الأكبر من قضايا المجتمعات المعاصرة على اختلاف أنظمتها واتجاهاتها ومستوياتها، ومشكلات الشباب تستأثر باهتمام المربين وعلماء النفس والاجتماع والمفكرين على تنوع انتماءاتهم، وهذا بسبب ما يعاني الشباب من متاعب وهموم واضطرابات اجتماعية ونفسية خطيرة. فالشباب يشكلون نسبة عالية من السكان في المجتمعات العربية والإسلامية والدول النامية، وهم أكثر الفئات الاجتماعية تأثراً بالواقع ومتغيراته ومعطيات البيئة الحياتية المادية والمعنوية من فكر وقيم ومشاعر وسلوك... والحقيقة أن الشباب أكثر انفعالاً وتفاعلاً في المجتمع، وأكثر استعداداً للانجرار وراء مغريات الحياة والانحراف والشذوذ والإصابة بالاضطرابات النفسية والتأثر بالاتجاهات الجديدة والتقليد الأعمى. وقد بينت الدراسات الاجتماعية والنفسية وجود علاقة جدلية بين ارتفاع نسبة الانحراف والشذوذ في أوساط الشباب وبين طبيعة البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع، كما نلاحظ في المجتمعات المتقدمة صناعياً مثلاً. وبالعكس نلاحظ انخفاض هذه الظاهرة في المجتمعات التي تسمى (محافظة) التي تسودها المبادئ الدينية والقيم والأخلاق والفضيلة كما في المجتمعات الإسلامية. لذلك نجد أن طبيعة الواقع الاجتماعي (الاقتصادي والفكري والنفسي والتربوي والبيئي) تلعب دوراً أساسياً في تحديد طبيعة الأزمات والمشكلات التي يعاني منها الشباب. فهذه العوامل تؤثر بفعّالية في تكوين أنماط السلوك واتجاهات الفكر وسقف المعاناة النفسية والمادية للغالبية العظمى من الشباب، وهذا يبين لنا أن معالجة قضايا الشباب لا يمكن أن تتم إلاّ عبر المعالجة الشاملة لقضايا المجتمع التي تشمل مشكلات وواقع الأسر والمؤسسات التعليمية التي تلعب دوراً أساسياً في تنشئة الشباب ورعايتهم وتكوينهم العقلي والنفسي والجسمي عبر دراسات علمية ورؤية واعية وعميقة لقضايا المجتمع ومشكلات الشباب (العلم والعمل والصحة والأمراض النفسية والتدخين والمخدرات والجرائم ومرض الشذوذ "السيدا") وغيرها من القضايا التي تواجه المجتمعات المعاصرة عامة والإسلامية خاصة بسبب ما تخلفه من آثار سلبية نفسية وعاطفية في نفوس الشباب، وصعوبات في التنمية والتطور في المجتمع. غرائز الشباب بين الأهواء والواقع: مع بداية مرحلة المراهقة تبرز بقوة عند الشاب دوافع الشهوات والأهواء، وتتوقّد الأحلام والمخيّلات، وتتأجّج مظاهر الحيوية والنشاط في نفسه، ويتحدّد كثير من أهدافه من خلال شهواته وغرائزه، وترسم له مخيلته الطرق للوصول إليها، فيخترق الحواجز والممنوعات التي يواجهها، وتصبح قواه العقلية ضعيفة التأثير في مجرى حياته، بينما تسيطر عليه مشاعر الأنانية وحب الذات وتغليب مصلحته الشخصية على مصلحة المجتمع، وتنقلب المفاهيم والقيم في عقليته، وتصبح رغباته هي أساس الفضيلة والنظام والتقدم الاجتماعي. يصور جان جاك روسو هذه الحقيقة في كتابه (أميل) بقوله: (... إن الفضيلة كما يقولون هي حب النظام، لكن هل يستطيع هذا الحب أن يغلّب النظام على مسرّتي الخاصة؟ وهل هو سبب كافٍ لتفضيل النظام على متعتي... فالرذيلة يمكن أن تصبح هي حب النظام لكن بوجه مختلف...). ولاشك في أن الجري وراء الرغبات والشهوات بكل الوسائل يأخذ من حياة الشاب وقتاً طويلاً، وكثرة التفكير في أهوائه يصرفه عن الاهتمام بالدراسة والقضايا المهمّة في الحياة. وفي النهاية يضيع منه كل شيء، فلا هو أشبع رغباته، ولا استفاد من فرص الحياة في العمل والتعلّم وبناء شخصيته وكيانه الاجتماعي. فالمجتمع يغري الشاب ويعرض أمامه مغريات الحياة، في الوقت ذاته يصدّه عنها ويمنعه من الوصول إليها. وهذا يزيد عناءه ومعاناته وسخطه وتمرّده وشعوره بأن الواقع ظلمه، وحال بينه وبين حقوقه في متع الحياة، فيولّد هذا الشعور الاضطراب النفسي والقلق والتوتر والاكتئاب والإحباط... وقد يعيش الشاب حالة من التناقض الصارخ والصراع الداخلي والانفصام، في محاولته الفاشلة للتوفيق بين شهواته ومتعه وبين قيمه الدينية والأخلاقية. وقد يعمد إلى التلفيق لتبرير تصرفاته المسيئة للمجتمع، وينزلق أكثر فأكثر إلى طريق الخطيئة ويغرق في عواصف الحياة التي قد تورده المهالك. لكن الشاب المسلم الذي توفرت له تربية إسلامية أخلاقية صحيحة، وتمكّن الإيمان من قلبه، فإنه يصرفه بقوة عن الانحراف، ويمنعه من الانجراف وراء غرائزه وشهواته، ويقيه من آثار الحيرة والقلق والاضطرابات النفسية. فالشاب المؤمن يشبع رغباته بطرق مشروعة وفي أجواء من الأمان والسعادة والكرامة، وتسيطر على نفسه الراحة والاطمئنان والرضى والسكينة. فالتربية الإسلامية وقوة الإيمان تحصّن الشاب من عواصف الحياة وبراكينها واضطراباتها، ويسير بكل عزيمة وجد ومثابرة، دون كلل ولا يأس، حتى النهاية لتحقيق أهدافه النبيلة وطموحاته المشروعة في الحياة. طموح الشباب والسعادة المفقودة: السعادة حلم كل إنسان في الحياة، يطلبها الكثير في بداية شبابهم بكل الطرق وفي كل مكان، ثم يعودون في نهاية المطاف (بخفي حنين). فيجرّبون ألوان المتع والمباهج والرفاهية والغنى، لكن يعودون في النهاية محمّلين بمزيد من الهموم وأثقال من مشاعر الضيق والتوتر والتذمر واليأس، وقد يدفع بعضهم إلى الانتحار للتخلص من الحياة. لقد بينت الدراسات أن الشباب في أوروبا وأمريكا يعانون كثيرا من الشقاء والتعاسة والاكتئاب، وخاصة شباب (السويد) التي يعيش سكانها بما يشبه حياة الأحلام، قال عنهم أحد الباحثين (أهل الجنة ليسوا سعداء). وقال (ويلسون) عن الحياة في نيويورك: (إنها غطاء جميل لحالة من التعاسة والشقاء). فالسعادة ليست بالغنى وكثرة المال والرفاهية والجاه، فهي غالباً لا تورّث سوى الهم والتعب والحسرة والطمع والشراهة للمزيد. السعادة لا تنبع إلاّ من أعماق الفرد، وتشع على جوارحه سروراً وفي نفسه طمأنينة، وتشرح صدره ويعيش في راحة ضمير وقناعة ورضى بقضاء الله وقدره. وهذه السعادة الحقيقية لا تتحقّق إلاّ بالإيمان الصادق العميق الذي يكبح جماح النفس وينظّم الغرائز ويخلق توازنا بين حاجات الشاب ومتطلبات الواقع. الجري وراء السعادة عن طريق المتع ينحرف بالفطرة إلى دروب الانحراف والمعاصي، ويصبح الشاب أسيراً لأهوائه وحب الذات والجشع والغرور، ويعيش حالة من الصراع بين إرضاء غرائزه أو إرضاء المجتمع، ويحرم نفسه السكون وراحة الضمير والاستقرار. وقد يعتقد أغلب الشباب أن السعادة في الحب، لكن الحب الذي يفهمه الشاب اليوم هو الحب المادي المرتبط بالجنس والشهوات والمتع المادية، وجميعها تتمحور حول حب الذات وإرضاء النفس. أما الحب الحقيقي الذي يولّد السعادة في النفس، فهو الحب الروحي الطاهر الخالي من المصالح المادية، بهذا المعنى يحب المؤمن كل شيء لوجه الله تعالى. فالحب حاجة أساسية في حياة البشرية وخاصة الشباب، وبفقدانه يخسر الكثير من الدوافع والطاقة للاستمرار في الحياة ومواجهة العقبات والتغلّب على الصعوبات بفعّالية وتحقيق طموحاته المشروعة وغاياته الكبرى في المستقبل. وبينت الأبحاث النفسية أن من يفتقد الحب والحنان ودفء الرعاية والاهتمام في الأسرة والمدرسة والمجتمع، يعجز عن منحها للآخرين، ويصبح أكثر عرضة للانحراف من غيره من الشباب، وذلك خلال محاولاته العشوائية في البحث عما ينقصه من مشاعر ... الإيمان منبع الأمان: الإيمان مصدر الأمان يجعل الشباب يحصر تفكيره في رضا ربه وطاعته واجتناب معاصيه، ومنفعة الناس تصبح غايته الكبرى، فيحقّق السعادة لنفسه والفوز في الدنيا والآخرة، رغم ما يخسره من متعة عابرة أو منفعة عاجلة وكبحٍ لشهوة طاغية. فالإيمان خير علاج للاضطرابات النفسية والوحدة والخوف، وهي أمراض تجعل الإنسان يفقد الأمل في الحياة وقد تؤدي به إلى الانتحار. يقول الدكتور "موريس جوبتهيل" مدير الصحة العقلية في نيويورك: "إن مرض الإحساس بالوحدة من أهم العوامل الأساسية للاضطرابات النفسية". والشك والشرك بالله هما مصدر الخوف والقلق للإنسان حول حاضره ومستقبله وجزعه من الفقر والمرض والكوارث والموت. يقول الفيلسوف ابن مسكويه: "إن الخوف من الموت ليس يعرض إلاّ لمن لا يدري حقيقة الموت ولا يعلم أين تصير نفسه، أو أن العالم سيبقى موجوداً وهو ليس موجودا فيه، أو لأنه يظن أن للموت ألماً عظيماً، أو لأنه يعتقد عقوبة تحل به بعد الموت، أو لأنه يأسف على ما يخلّفه من المال والمقتنيات." أما المؤمن فيشعر يقيناً أن الله معه وعنايته ترافقه أينما كان، فلا يشعر بالوحدة واليأس والقنوط. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: "وهو معكم أينما كنتم.." سورة الحديد 4 . ويقول تعالى في الحديث القدسي:" أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني". ويبين الدكتور فرانك لوفاخ (عالم النفس الألماني) هذه الحالة، فيقول: "مهما بلغ شعورك بالوحدة فاعلم أنك لست وحيداً، فإذا كنت تسير على جانب في الطريق، فكن على يقين أن الله يحفظك برعايته". فالصلاة والدعاء تبعث السكينة في نفس الشاب المؤمن، وتمدّه بالعزيمة والثقة بالنفس واطمئنان القلب والأمل في الحياة والرضا بقضاء الله وقدره، وهذه جميعها تؤدي إلى السعادة الحقيقية. فقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من سعادة المرء استخارته ربه ورضاه بما قضى، ومن شقاء المرء تركه الاستخارة وعدم رضاه بعد القضاء". رواه الترمذي وأحمد والبزار بروايات مختلفة. فالأمل والرجاء هما الدافع القوي إلى الحياة، والجد والمثابرة والصبر لتحقيق الأهداف الكبرى في الحياة، والتقدم والنجاح. "فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل". وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم تقدم لنا نموذجاً ومثلاً أعلى، نحتذي به في الصبر والتحمل والعمل الجاد والمثابرة لتحقيق الرسالات العظمى، رغم كل الصعاب الهائلة التي واجهته والأذى والاضطهاد الذي تعرض له. فالإيمان أيضاً ينبوع الحب الذي لا ينضب "حب الطبيعة، حب الحياة، حب الموت، حب الناس..الخ". فالحب يخلّص الإنسان من مشاعر الحسد والحقد والكراهية والشح والأذى وهو دليل الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا". وهذا يتم من خلال التربية الإسلامية الصحيحة التي لها الأثر الأكبر في تقوية الإيمان وتكوين الضمير، الذي هو ركيزة الأخلاق، فلا بد للضمير من الخوف ولكن يجب أن يكون الخوف من الله تعالى وحده. والتربية الإسلامية ترسخ الإيمان في قلوب الشباب وتدرّبهم على ضبط النفس وتنظيم الرغبات وتقوية الإرادة والقدرة على التحكم والسيطرة على النفس، عند الغضب وهيجان الأهواء وهذه تدل على قوة الإيمان وحقيقته، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم " ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب" الحديث رواه الشيخان | |
|