[center]17
- شفاعته لحامله:
حين تلم بالمرء حاجة من حوائج الدنيا، فتضيق أمامه السبل وتغلق الأبواب في وجهه، فإنه يبحث ويفتش عن فلان أو فلان من الناس ليكون شفيعاً له في حاجته وقاضياً لها. فما بالك بالحاجة الأم، والقضية الأساس، التي يلقاها العبد أمام الله عز وجل؟ ما بالك بهذه القضية التي يكون المرء فيها رهن عمله وما قدّم، أليس يحتاج فيها إلى الشفاعة؟ فكيف بمن يشفع له القرآن الكريم، بمن تأتي سور القرآن ـ كما قال صلى الله عليه وسلم - تُحاج عنه، تحاج عن صاحبها الذي أمضى وقتاً ودهراً من عمره في حفظها وتلاوتها وتعلمها وتعليمها؟ عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار "( ). وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة " ( ). وعن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب فيقول: أنا الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك " ( ) وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن:منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال فيشفعان "( ). وحيث الفتى يرتاع في ظلماته من القبر يلقاه سناً متهلــلاً هناك يهنيه مقيلاً وروضــة ومن أجله في روضة العز يجتلا يناشد في إرضائه لحبيبـــه وأجدر به سؤلاً إليه موصـلاً
18 - القرآن حجة لك أو عليك
المرء لا يخلو أن يكون القرآن حجة له أو عليه فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها" ( ). إن الذي يقضي وقته، ويتخلى عن مشاغله لأجل أن يقضي وقتاً مع كتاب الله سبحانه وتعالى، حفظاً وتلاوة ومدارسة، ثم يصبح هذا الكتاب يتردد على لسانه، فهو يتلو هذا الكتاب قائماً أو قاعداً، ذاهباً أو آتياً أينما حل وحيثما ارتحل، إن مثل هذا المرء حريُُ بأن يكون القرآن حجة له يوم القيامة كما كان شفيعاً له.
19 - استحقاق ظل الله يوم لا ظل إلا ظله:
في يوم القيامة تزداد الأهوال مع الناس ويبلغ الكرب مداه، ومن كروب يوم القيامة ما وصفه صلى الله عليه وسلم في حديث المقداد بن الأسود -رضي الله عنه-:" تدنى الشمس يوم القيامة من الخلائق حتى تكون منهم كمقدار ميل، قال سليم بن عامر - أحد رواة الحديث - فو الله ما أدري مايعني بالميل، أمسافة الأرض، أم الميل الذي تكتحل به العين؟ قال: فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، قال: وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه" ( ). وفي هذا الموقف الرهيب يكرم الله سبحانه وتعالى طائفة من عباده فيظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما أخبر صلى الله عليه وسلم :" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ماتنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه"( ). فالشاب الذي نشأ في بيوت الله وعلى حفظ كتابه وتدبره من أولى الناس بهذا الوصف (شاب نشأ في عبادة ربه)؛ إذ التعبد لله بتلاوة كتابه وحفظه وتعاهده من أفضل ما يتقرب به العبد إلى مولاه.
20 - حفظ القرآن سبب للنجاة من النار:
إن من أهم ما يسعى إليه المسلم في هذه الحياة أن ينجيه الله من النار، وقد كتب الله تبارك وتعالى لمن حفظ القرآن ألا تحرقه النار، فعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لو جعل القرآن في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق"( ). وقد فسره بعض أهل العلم بأن المقصود بذلك حافظ القرآن فروى أبو الفضل الرازي عن يزيد بن عمرو، قال سألت الأصمعي عنه قال: يعني في إنسان، أراد أن من علمه الله القرآن من المسلمين وحفظه إياه لم تحرقه النار يوم القيامة إن ألقي فيها بالذنوب، كما قال أبو أمامة: "اقرأوا القرآن ولا تغرنكم هذه المصاحف، فإن الله لا يعذب بالنار قلباً وعى القرآن"( ). وقال أبو عبيد :"وجه هذا عندنا أن يكون أراد بالإهاب قلب المؤمن وجوفه الذي قد وعى القرآن"( ).
21 - رفعة الدرجات في الجنة:
حين يدخل المؤمنون الجنة فإن حافظ القرآن يعلو غيره بدرجاته لتعلو منزلته وترتفع درجته في الآخرة كما ارتفعت في الدنيا. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول: يارب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يارب زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يارب ارض عنه، فيقال: اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة"( ). وعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها" ( ). قال ابن حجر الهيتمي:"الخبر المذكور خاص بمن يحفظه عن ظهر قلب، لا بمن يقرأ بالمصحف، لأن مجرد القراءة في الخط لا يختلف الناس فيها ولا يتفاوتون قلة وكثرة، وإنما الذي يتفاوتون فيه كذلك هو الحفظ عن ظهر قلب، فلهذا تفاوتت منازلهم في الجنة بحسب تفاوت حفظهم، ومما يؤيد ذلك أيضاً أن حفظ القرآن عن ظهر قلب فرض كفاية على الأمة، ومجرد القراءة في المصحف من غير حفظ لا يسقط بها الطلب، فليس لها كبير فضل كفضل الحفظ، فتعين أنه -أعني الحفظ عن ظهر قلب- هو المراد في الخبر، وهذا ظاهر من لفظ الخبر بأدنى تأمل، وقول الملائكة له : اقرأ وارق صريح في حفظه عن ظهر قلب كما لا يخفى"( ).
22 - حافظه مع السفرة الكرام البررة:
حافظ القرآن مع السفرة الكرام البررة فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران " ( ). وأولئك السفرة اختارهم الله تبارك وتعالى، وشرفهم بأن تكون بأيديهم الصحف المطهرة { في صحف مكرمة. مرفوعة مطهرة. بأيدي سفرة كرام بررة }(عبس:13-15) . وما نفتأ نرى الناس اليوم يفتخرون حين ينسبون إلى عظيم من العظماء، أو رجل يحمل الشهرة والاسم اللامع ولو كان ذلك في ميدان الرياضة أو اللهو الباطل، فهنيئاً لهؤلاء ما اختاروه من هوان لأنفسهم، وهنيئاً لحفظة كتاب الله حين اختاروا أن يكونوا مع السفرة الكرام البررة.
23 - الحرف بحسنة والحسنة بعشر:
حافظ القرآن هو أكثر الناس تلاوة لكتاب الله فلن يطيق حفظه إلا بترداده، ولن يثبت له ذلك إلا بمراجعته. ولك أن تقدر أي جزاء وثواب يحصل له حين يجزى بالحرف الواحد حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ويضاعف الله لمن شاء فعن عبد الله ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف"( ). وحين يكون الشاب ثانياً ركبته في بيت من بيوت الله ساعة كل يوم أو أكثر، فكم حرف سيقرأه؟ ناهيك عن مراجعته وترداده لما حفظ فيما سوى هذا الوقت. وإذا أضيف لذلك صلاح النية وصدق العزيمة، والمحبة لكتاب الله، والتأثر بمواعظه، والتأدب بآدابه، ومراعاة أدب التلاوة، فهذه أبواب أخر فيها من الأجر مالا يعلمه إلا الكريم المنان. فهاهو الميدان للتنافس والتسابق بالخيرات، هذا هو الميدان الحق لا شهوات الدنيا الفانية وحطامها الزائل.
24 - حافظ القرآن يقرأ في كل أحواله:
حافظ القرآن هو الذي يقدر أن يقرأ في كل حال، فهو يقرأ ماشياً، ويقرأ حين يقود سيارته في سفر أو حضر، ويقرأ حين ينتظر أحداً، يقرأ مضطجعاً وقاعداً وقائماً، أما غيره فلا يقرأ إلا حين يتهيأ ويتطهر، ويمسك مصحفه، وله أسوة بنبيه صلى الله عليه وسلم إذ دخل مكة وهو على دابته يقرأ القرآن. وقديماً كان آباؤنا يشبهون حافظ القرآن بالمسافر الذي زاده تمر فهو يأكل متى شاء، لا يحتاج إلا لإدخال يده في جرابه، أما غير الحافظ فهو يشبه من زاده دقيق فلابد أن يقف، وينزل عن راحلته، ويعجن، ويجمع الحطب... وذلك أمر يطول.
25 - حفظ القرآن شفاء للصدور:
تزداد شكوى الصالحين اليوم من قسوة القلوب وصدئها، وتكثر التساؤلات عن المعاناة التي يعاني منها الجميع بما فيهم الصالحون، وفي ظل البحث والتساؤل عن الحل والعلاج لن يجد أحد علاجاً غير الإقبال على كتاب الله تبارك وتعالى الذي وصفه من أنزله { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله }(الزمر:23). فالانشغال بحفظ القرآن، فيه علاج لصدأ القلوب وقسوتها وزيادة للإيمان قال تعالى { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون }(الأنفال:2){وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون}(التوبة:124).
26 - حين يفني المرء شبابه بحفظ كتاب الله:
سيقف كل امريء طال عمره أو قصر بين يدي ربه ويُسأل ويحاسب، ومن صور الحساب ما ذكره النبي r صلى الله عليه وسلم بقوله:"لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس:عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم"( ). وهو موقف يبعث على الوجل والخوف، تتسارع الصور وتتزاحم المواقف في ذهن المرء حين يسمع بهذا الحديث، ويشعر أنه سوف يسأل عن حياته ووقته، ثم يخص الشباب بسؤال آخر، فماذا عساه قائل؟ وبم يجيب؟ وهل سيجد في تاريخه وشبابه ما يسعفه بإجابة تنجيه من هول الموقف؟ فما بالك بمن سيقول: يارب أفنيت زهرة شبابي وسني عمري ثانٍ ركبتي في أفضل بقاع الأرض إليك، في بيتك حاملاً مصحفي متطهراً، أتلو كلامك وأحفظه، وحين أنهيت حفظه شغلت نفسي بمراجعته وتكراره حتى لا يتفلت مني وأنساه. وحين يرى ذلك من حرم هذا الفضل فلن يسعه إلا أن يقول :{يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً}(النساء:73).
27 - حفظ القرآن خير ما تنفق به الأوقات:
حفظ القرآن الكريم استثمار للوقت بما ينفع، وانشغال وانصراف عن القيل والقال واللغط واللهو، فحين يسابق الناس إلى مجالس اللهو التي ينهشون فيها أعراض الناس، أو يتحدثون عما يهيج الشهوات والغرائز، فالشاب المشتغل بحفظ القرآن له شأن آخر وهم آخر، ياله من بون شاسع بين هؤلاء وأولئك، بل إن المقارنة بين هذين النموذجين غير متكافئة. ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا والنفس أبيه عصية إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، فأولئك الذين شغلوا أنفسهم بحفظ كتاب الله ربما لو تركوا ذلك كان البديل إضاعة الوقت فيما لا ينفع، بل ربما فيما حرم الله تبارك وتعالى.
28 - حفظ القرآن في مقتبل العمر خطوة نحو الاستقامة:
كم نرى ونشاهد في عصرنا الحاضر من فئام من الشباب أعرضوا عن الله، وساروا في طريق الغواية وركبوا جادة الانحراف، ظاهرة لم تعد مجهولة أو خافية على ذي عين، بل صار الأب يضع يده على قلبه ويرقب ابنه في سائر أحواله، وهو يخشى أن تزل به القدم، أليس انشغال الشاب بحفظ القرآن مدعاة لحفظه في مقتبل حياته وفترة مراهقته حيث تكثر الصبوة، ويميل الأقران للشهوات؟ إن الشاب الذي يشغل وقته في مقتبل شبابه بحفظ القرآن، ينصرف عما يعصف بأمثاله من الشهوات والمغريات، فيكون حفظاً لدينه واستقامته، وسائرُ عمره مبناه على هذه البذرة والركيزة.
29 - القرآن كتاب علم وهدى:
والقرآن كتاب علم يحتاجه كل متخصص، فالفقيه يستدل به، وعالم العقيدة يحتج به، ومن يدرس سنن الله في الأمم والتاريخ، ومن يدرس الدعوة، والنحو.. فكل عالم مهما كان علمه لا يستغني عن الاحتجاج بالقرآن والاستشهاد به، ومن ثم فحافظ القرآن لم يحز علماً واحداً بل علوماً عدة في هذا الكتاب العزيز. أحدهم وهو في قاعة الامتحان ورد إليه سؤال في مادة التاريخ عن أسباب النصر، وكان يحفظ سورة الأنفال فاستحضر الآيات ودوَّن ما استنبطه منها. والأمر لا يقف عند مجرد إسعاف طالب بالإجابة في قاعة الامتحان، بل من يدرك هذه الفوائد الغزيرة في هذا الموطن يدركها فيما سواه. ومع التوجه العلمي الذي نراه اليوم -وهو ثمرة من ثمرات الصحوة المباركة- نرى أن هناك خللاً في ترتيب الأولويات عند فئة من الشباب لا يعدون من العلم إلا حفظ المسائل وأقوال الرجال، أما القرآن فتقرأ ألفاظه للتعبد فقط. وفي حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة وحدثنا عن رفعها. ..." ( ). وقال ابن عبد البر :"القرآن اصل العلم، فمن حفظه قبل بلوغه، ثم فرغ إلى ما يستعين به على فهمه من لسان العرب كان له ذلك عوناً كبيراً على مراده منه"( ).
30 - حافظ القرآن لا يعوزه الاستشهاد:
لابد لك أن تقف متحدثاً، أو واعظاً، أو مدرساً، لاسيما وأنك اخترت لنفسك طريق الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، فحين تكون حافظاً للقرآن فهو أمامك وبين عينيك تحضرك الأدلة في الترغيب والترهيب، والأحكام والفرائض، والسلوك والآداب، والقصص والعبر، في حين يحتاج غيرك لمراجعة المعاجم، وكتابة الآية، لذا فهو محروم من الاستطراد واقتناص الفوائد الواردة على الذهن، فضلاً عن الارتجال والحديث دون إعداد حين يتطلب الموقف ذلك. بل والحافظ حين ينسى الآية وتعزب عن ذاكرته فلا يحتاج إلا دقائق معدودة يراجع فيها المصحف؛ إذ هو يعرف الآية في أي سورة وأي موضع
31 - حِلَق القرآن ميدان للصحبة الصالحة:
يشعر المرء مهما كان أنه بحاجة إلى صحبة ورفقة، والمسلم الذي يعنيه شأن دينه يدرك تمام الإدراك تلك الضرورة الملحة لاختيار الصحبة الصالحة الذين يأمنهم على دينه، ويرضى أن يحشر معهم يوم القيامة لذا فقد أشار أنصح الخلق r صلى الله عليه وسلم وأعرفهم بالله سبحانه إلى هذا المعنى في أحاديث عدة. منها قوله: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"( ). وقوله صلى الله عليه وسلم " لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي"( ). وأخبر صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم أن حال المرء يوم القيامة مرتبط بحال قرينه فقال:"المرء مع من أحب"( ). وحافظ القرآن يتيح له درس الحفظ التعرف واللقاء بالصحبة الصالحة ومجالسة أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، فهو من أسعد الناس بفضائل الصحبة الصالحة في الدنيا والآخرة. بل حين يُكْرِم أصحابه فذلك من إجلال الله، وحين يحبهم فيحبهم لله، وحين يتبرأ الناس يوم القيامة من أخلائهم فهؤلاء أخلاء على سرر متقابلين {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين. يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون}(الزخرف:67).
32 - التعلق به خطوة للتربية الجادة:
يدرك المربون اليوم الحاجة الملحة للتربية على معالي الأمور، ولتخريج جيل يتمثل المعاني الجادة في حياته، فيدفعهم ذلك الشعور إلى التساؤل عن طريق تحقيق ذلك؟ ولا شك أن الانشغال بحفظ القرآن وثني الركب في حلق المساجد مما يعوِّد الشاب على الجدية ويطرد عنه الكسل والتواني، فيعتاد التحمل والجد؛ إذ هو يجلس في المسجد ساعات لحفظ القرآن يخصص هذا الجزء من وقته كل يوم، ناهيك عما يضحي به مما يتعلق به أترابه الذين يمتِّعون أنفسهم باللهو والعبث والجري وراء متع الدنيا، وذلك كله يخلق نفساً عالية متعلقة بالأمور الجادة.
الشيخ ابراهيم الدويش